رئيس التحرير : مشعل العريفي

هكذا احتفل المصريون بالخسارة !

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

اقرأ معي هذا الكلمات، فهي تجسيد لواقع ملايين المصريين ظهروا أمس في مظهر "عربي" مشرف، خرجوا إلى الشوارع رافعين أعلام بلدهم، هزموا "اليأس" بثبات، وقهروا "الخوف" بامتياز، أثبتوا للعالم أنهم سيحتفلون مهما كانت الظروف والتحديات، قالوا للجميع "سنعود إلى منازلنا ونكمل احتفالنا ونسهر الليل كله وبأكمله ونحن نحتفل".
هذا الكلام أكتبه ليس لكوني مصريا، وإنما لذهولي من تصرف المصريين بعد خسارة منتخبهم في نهائي "أمم إفريقيا"، وهذا الحديث تجده موثق بالصور والفيديوهات التي يُمكن أن تحصل عليها بسهولة بمجرد البحث في "يوتيوب" أو "جوجل"، بالتأكيد آلاف المصابين بالدهشة مثلي سارعوا بنشرها وتوثيقها.
لك أن تُشاهد المشهد مثلي وتعيشه أو إذا لم تستطع فتخيله، ملايين المصريين في الشوارع والساحات يرفعون الأعلام ويحتفلون بهزيمة منتخبهم!، كان مفترضًا أن تذهب تلك الحشود إلى ديارها مكسورة الخاطر وتعلو "الكآبة" وجهها بعد الخسارة، ولكن ماحدث أنها احتفلت حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالي، وظلت تحتفل وتحتفل..
بعد انتهاء المباراة بثوانٍ، وبينما الحزن مرسومًا على وجهي مثل أي مصري،  سمعت أصواتًا قوية، شدني الصوت المنبعث من الخارج والذي يُشبه صوت "الشماريخ والألعاب النارية"، فنزلت على الفور إلى الشارع ووجدت ما لا يمكن تصديقه، "الشباب والأطفال والرجال والنساء"، الجميع كانوا يحتفلون ويرفعون الأعلام وكأن فريقهم قد فاز بالبطولة فعلاً!!

دفعني الفضول أكثر فتجولت في المنطقة، بل في الشوارع الجانبية وامتد بي الأمر إلى مناطق أخرى مجاورة، نفس المشهد ونفس الروح، الاحتفالات في كل مكان، وجدت شعبًا مختلفًا في تقبله للهزيمة، فلا أحد يتحدث عن المباراة، يتحدثون فقط عن شعورهم بالفرح وخروجهم من "الكبت" الذي فُرض عليهم، واستعادتهم لأجواء حرموا منها، وحلت محلها "ظروف اقتصادية وسياسية صعبة للغاية".
مالذي دفع هؤلاء للاحتفال رغم آلم الخسارة ومرارة الهزيمة؟، بالتأكيد تلك الظاهرة تستحق تسليط الضوء عليها بكثافة، وبحكم أني جزء من كيان ونسيج هذا الشعب، فالمصريون لم يخرجوا إلى الشوارع لمشاهدة مباراة كرة قدم، بل خرجوا ليفرحوا، خرجوا للبحث عن "السعادة المفقودة" والغائبة عنهم منذ سنوات.
كان مثيرًا للانتباه أن شيخًا كهلاً يخرج لتشجيع منتخب بلده وبجواره شابًا في العشرينيات، رجلاً خرج بأسرته كاملة لمشاهدة المباراة وسط حشود المواطنين.. الكل يرفع العلم المصري، الجميع عاد لمنزله وهو يشعر أنه حقق نصرًا، بالفعل هو نصر، حينما تجد المصريين يحتفلون في وقتٍ من المفترض فيه أنهم يبكون فهذا نصر، إن لم يكن نصر داخل الملعب، فهو نصر بالتأكيد على السلبية واللامبالاة وهزيمة لليأس والحزن، بل خسارة فادحة لـ"الحالة النفسية السيئة التي عانى منها كل مصري محبط من الظروف المعيشية السيئة".
مصر خسرت مباراة كرة قدم لكنها كسبت شعبًا جميلاً وراقيًا لا يمكن هزيمته سواءً خسر منتخبه أو انتصر، فهو سيحتفل سواءً أرهقته الظروف الاقتصادية أو امتلك كنوز العالم، الخسارة الحقيقية هيّ فقدان الأمل في النهوض والعودة، والشعب أثبت بجدارة أنه يمكنه العودة في أي وقت.
لا يمكن توقع ما يمكن أن يقوم به المصريون، ففي "ثانية" هم ينتفضون، ولا تعرف حالتهم المزاجية فهي بحكم "اللحظة" التي يعيشونها، فالملايين التي نزلت للاحتفال، كان لديها هدف أسمى بكثير من حصد اللقب الإفريقي والعودة به إلى مصر.. أسمى بكثير من الخلافات التي تشق صفوف الشعب حاليًا على اختلاف أفكاره وتنوعها.. هدف حمل "العلم المصري" والشعور بالانتماء لهذا الوطن قبل فقدان هذا الشعور.
لازلت أتساءل كيف تحولت مباراة كرة قدم إلى وسيلة لإخراج شعب بأكمله من حالة نفسية سيئة امتلكته لفترة طويلة؟!، لكن ما يُخفف من حيرتي هو علمي ويقيني بأن المصريون تجد لديهم دائمًا "الاختلاف" حتى في أصعب اللحظات..

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up